يتكرر الأمر كل سنة، كالمطر الأول: تنخفض درجات الحرارة فتأتي أمراض الشتاء. ونحن نذهب إلى الطبيب، ولدينا طلب واحد: أنتيبيوتيكا. أنتيبيوتيكا، يا دكتور!
فما هي الأنتيبيوتيكا، عمليًا؟ يدور الحديث عن مجموعة من المواد التي يمكن أن تمنع نمو وتكاثر البكتيريا، وحتى تؤدي إلى القضاء عليها. فأدوية الأنتيبيوتيكا تشكل وسيلة فعالة في مكافحة الالتهابات البكتيرية.
وتصنف كل مجموعة من المضادات الحيوية “الأنتيبيوتيكا” وفقا للآلية المحددة التي بموجبها تهاجم البكتيريا. ولكن البكتيريا لا تتنازل بدون قتال. فلديها ترسانة هائلة من الوسائل الدفاعية التي تمكنها من تجنب تأثير أدوية المضادات الحيوية. والاستخدام غير الذكي للمضادات الحيوية يؤدي الى تكوّن سلالات مقاومة للمضادات الحيوية، بما في ذلك مقاومة لكل أدوية المضادات الحيوية المتوفرة. ما يحدث في الواقع هو أن البكتيريا التي حدثت فيها بالصدفة طفرة جينية للمقاومة، تحظى بأفضلية مقابل البكتيريا غير المقاومة. وهكذا، بعد كل علاج بالمضادات الحيوية تتمكن البكتيريا المقاومة من البقاء. وبالإضافة إلى ذلك، تنتشر الجينات التي تمنح المقاومة للمضادات الحيوية بين فئات البكتيريا. والعلاج غير الضروري بالمضادات الحيوية لا يفرق بين البكتيريا المسببة للأمراض وبين البكتيريا الجيدة الموجودة داخل الجسم – وكل استخدام زائد عن الحد يقضي على هذه البكتيريا الجيدة ويؤدي الى نمو جراثيم أخرى مقاومة للأدوية، والتي قد تسبب المرض.
لماذا يعتبر هذا مقلقا؟ – لأن مقاومة البكتريا للمضادات الحيوية يؤثر ليس فقط على المريض نفسه، ولكن أيضا على بيئته. فالبكتيريا المقاومة تنتشر بسهولة من المريض إلى البيئة المحيطة به م خلال اللمس أو رذاذ اللعاب. وبالمقابل، التكلفة الهائلة المطلوبة للبحث والتطوير لمضادات حيوية جديدة، والحياة القصيرة للأدوية الجديدة جعلت الاستثمار في تطوير أنواع جديدة من المضادات الحيوية غير مجدٍ. وعليه، تم في العقود الأخيرة تطوير مجموعة قليلة من المضادات الحيوية الجديدة فقط. وفي نهاية المطاف، فإن مشكلة مقاومة أدوية المضادات الحيوية يمكن أن تخلق وضعًا نجد فيه مرضى مع بكتيريا مقاومة لن يكون بالإمكان علاجهم. نعم، تماما كما كان الوضع عليه قبل 100 سنة.
بعض الأرقام
في الولايات المتحدة الأمريكية- نصف إلى ثلث تناول المضادات الحيوية في المجتمع لا لزوم له.
في الولايات المتحدة يتم تسجيل نحو 140 ألف توجّه في السنة لغرف الطوارئ بسبب الآثار الجانبية للأنتيبيوتيكا.
أنشأ البيت الأبيض برنامجا يهدف إلى تقليص استخدام الأنتيبيوتيكا بنسبة 50% حتى حلول عام 2020، كجزء من العمل على وقف انتشار البكتيريا المقاومة.
في الهند، حيث استخدام الأنتيبيوتيكا فيها غير خاضع للرقابة، توفي في سنة واحدة 58,000 طفل من البكتيريا المقاومة، التي انتقلت إلى الأطفال الرضع من أمهاتهم. ذكرت دول الاتحاد الأوروبي أن 25,000 حالة وفاة في السنة منسوبة للبكتيريا المقاومة، بالإضافة الى 2.5 مليون يوم رقود في المستشفى لهذا السبب.
ولكن لحظة
ليس لدينا نية ان ننسى كل الأشياء الجيدة التي عملتها المضادات الحيوية، وما زالت وسوف تواصل عملها (فقط إذا أتحنا لها ذلك). لقد غيرّت الأنتيبيوتيكا وجه الطب وجودة الحياة العصرية بشكل كبير. بدونها ما كان العلاج الكيميائي ولا كانت العمليات الجراحية للقلب. بدونها كان الناس يموتون من الإصابة بالالتهابات التي يعتبر الشفاء منها اليوم بسيطًا. هذا هو بالضبط السبب للحرص على بقائها فعالة.
ماذا نفعل؟ – استعمال ذكي
كما ذكر أعلاه، يتم تناول العلاج بالأنتيبيوتيكا عندما تكون هناك أمراض التهاب المسبب لها هي البكتيريا. الأنتيبيوتيكا غير ناجعة في علاج الأمراض الفيروسية مثل الإنفلونزا. نظرًا لأن معظم أمراض الشتاء تسببها الفيروسات، وفي معظم الحالات لا حاجة للعلاج بالمضادات الحيوية. بالإضافة الى ذلك، استخدام المضادات الحيوية دون حاجة هو بالضبط المسبب لوجود مقاومة لدى البكتيريا. عادة تطوّر البكتيريا قدرة على مقاومة الأنتيبيوتيكا في أعقاب الاستعمال المتكرر للدواء، أو عندما يتم تناوله دون حاجة.
يقوم طبيبكم بإعطائكم أنتيبيوتيكا فقط في الحالات التي تستدعي ذلك، لا تحاولوا الضغط، والإلحاح في طلب أنتيبيوتيكا إذا تبين بعد التشخيص أنكم تعانون من مرض فيروسي. ليس فقط أنها لن تفيد، بل إنها ستضر، ذلك لأنه عندما تصابون بمرض التهاب وبالفعل يحتاج الى تناول أنتيبيوتيكا، فإنها قد لا تؤدي غرضها.
وجهنا للدكتور شاشا، أخصائي أمراض الالتهابات، أسئلة حول الأنتيبيوتيكا، وتلقينا إجابات أيضا:
متى نتناول أنتيبيوتيكا ومتى لا؟
حسب طبيبكم، بالطبع، الذي يعي جيدًا الأضرار التي تسببها الأنتيبيوتيكا التي تم تسجيلها لكم دون حاجة. ولكن أيضا إليكم بعض المبادئ التوجيهية العامة:
الرشح والإنفلونزا - المسببات هي فيروسية، والأنتيبيوتيكا غير ناجعة في علاجها.
السعال - التهاب الشعب الهوائية أو التهاب الجيوب الأنفية- في معظم الحالات، المسببات لهذه الأمراض هي الفيروسات والأنتيبيوتيكا لن تساعد. إذا استمر المرض فترة طويلة، ربما تكون البكتيريا قد انضمت الى مسببات المرض. الطبيب يقرر.
الإسهال - في معظم الحالات تكون الفيروسات هي المسبب. في الحالات التي يكون فيها الإسهال نتيجة بكتيريا، فإنه يكون عادة مصحوبا بدم وبارتفاع درجة حرارة الجسم، وحينها قد يوصي الطبيب بعلاج أنتيبيوتيكا.
أوجاع في الحلق - هنا يحتاج الأمر الى فحص. معظم أوجاع الحلق تسببها فيروسات ولا يمكن علاجها بالأنتيبيوتيكا. لكن الالتهاب في الحلق سببه بكتيري وعليه يتم علاجه بالأنتيبيوتيكا. يأخذ طبيبك مسحة حلق، وإذا كان جواب المسحة إيجابيا فإنه يوصي بعلاج أنتيبيوتيكا مناسب. بكتيريا ستيربتوكوك لم تطور مقاومة للبنسلين، وهذه هي الأنتيبيوتيكا الأكثر فعالية للقضاء عليها؛ أما استعمال أدوية مثل زينط أو اوغمنتين بشكل واسع لهذا الغرض، يمكن أن يتسبب في أضرار بيئية ويلحق الضرر بفئات بكتيريا وديّة تعيش في الجسم.
كم يومًا يستمر العلاج بالأنتيبيوتيكا ؟
مدة العلاج تختلف من حالة إلى أخرى حسب نوع الالتهاب، موضع الالتهاب والبكتيريا.
وإذا تعافيت بعد يومين، هل يمكن التوقف عن العلاج بالأنتيبيوتيكا؟
في هذه الحالة من المفضل استشارة الطبيب المعالج لكي يقرر تقصير مدّة العلاج أم لا.
هل لاستعمال الأنتيبيوتيكا آثار جانبية؟
نعم. معظمها غير لطيفة (التهابات فطرية) وبعضها يشكل خطرًا على الحياة، مثل الحساسية بأشكال مختلفة وإعطاء فرصة للبكتيريا الضارة الأخرى للتطوّر في الجسم، مثل بكتيريا الأمعاء الصعبة كلوستريديوم.