الاضطرابات في جيل المراهقة هي مرحلة ضرورية في الحياة في الطريق للتطور النفسي السليم. وهذه هي المرحلة التي يقف فيها المراهق على مفترق طرق بتواصل بين الطفل والمراهق، في حين أنه في الحياة اليومية يتحرك بين طرفي التواصل: يمكن الجلوس مع المراهق والتحدث معه كما مع الكبار، وفورا بعد ذلك قد يتورط في شجار مع شقيقه البالغ من العمر خمس سنوات. وعليه، فإنه لا يزال غير بالغ. صحيح أن جسمه كبير ومشحون بالهرمونات، لكن سلوكه في كثير من الأحيان لا يزال صبيانيا.
ماذا يحدث هناك في الواقع، في جسم ورأس وقلب المراهق لدينا؟
الجسم
يحتل الجسم مكانا هاما ومركزيا في حياة المراهق وهو يشغله ساعات طويلة في اليوم. وهو يشكل أساسا للنظرة الذاتية، ومصدر لدوافع ولحدوث تغييرات عديدة، لا سيطرة للمراهق عليها. هيجان الهرمونات يؤثر على الطول والوزن، الصوت، ظهور شعر على الجسم، حب الشباب ونمو الأعضاء التي تبدأ اليوم في سن التاسعة حتى عشر سنوات، أبكر بكثير مما كان عليه في الماضي.
مراهق فحص الجسم وحدوده، متانته وقوته، وقضاء ساعات أمام المرآة، وتجريب السجائر والمخدرات والكحول والجنس. في الحالات القصوى، بل انه يؤذي نفسه وتحمل المخاطر، ليشعر الشعور بالقوة والسيطرة: لا يحصلون على قسط كاف من النوم، لا يأكل بشكل صحيح، بالمبالغة الأنشطة الرياضية، وهو فنان الوشم، مثقب ويجرح نفسه. من المهم بالنسبة له أن نبالغ في التفرد من خلال المظهر، بينما تنتمي إلى أي ثمن. مربكة، قلنا بالفعل.
يقوم المراهق بفحص جسمه وحدوده، متانته وقوته، ويقضي ساعات طويلة أمام المرآة، يقوم بتجريب السجائر، المخدرات، الكحول والجنس. وفي حالات متطرفة، يؤذي نفسه ويقوم بالمخاطرة، لكي يشعر بشعور القوة والسيطرة: لا ينام بشكل كاف، لا يأكل كما ينبغي، يبالغ بالأنشطة الرياضية، يقوم برسم الوشم، يقوم بوخز وجرح نفسه. من المهم بالنسبة له أن يبالغ في تفرده من خلال المظهر الخارجي، وفي الوقت نفسه الانتماء بكل ثمن. يخلق بلبلة، لقد قلنا.
الرأس
في جيل المراهقة، بين جيل 12 سنة و16 سنة تقريبا، لا يزال يتطور الفص الجداري (الجدارية)، المسؤول عن معالجة المعلومات الواردة من البيئة من خلال الحواس. كما يتطور الفص الصدغي (الزمني)، المسؤول عن اللغة والسيطرة على المشاعر. نمو الدماغ غير المكتمل في هذا الجيل، يشكل عنصرا آخر لعدم النضوج ولسلوك شاذ يميز الشبيبة.
بين جيل 16 سنة وجيل 20 فما فوق، يتواصل تطور الشبكة العصبية في الدماغ المسؤولة عن الذكاء، المعرفة، والوعي الذاتي وبلورة مكونات الشخصية.
أظهرت الدراسات التي أجريت في السنوات الأخيرة، بأن الدماغ يستمر في التطور حتى في جيل العشرينات من عمرنا، وخاصة في المناطق المسؤولة عن قدرة الحكم على الأمور، المنطق، السيطرة على المشاعر والمهارة الاجتماعية. هذه هي بالتحديد نفس المناطق في الدماغ المسؤولة عن المشاكل التي تميز جيل المراهقة، مثل عدم سيطرة وحكم اجتماعي خاطئ في بعض الأحيان. يشعر المراهق بأنه قوي وكبير، في حين أن وزنه للأمور فيه خلل، عتبة الإحباط لديه منخفضة ولا يولي اهتماما ببيئته المحيطة. يجد صعوبة في مواجهة الإحباط، يرد بردة فعل مبالغ فيها لأي فشل، مصحوبة بشعور أنه “لا قيمة له” و”ليس لديه ما يعيش من أجله”. كل خيبة أمل أو انتقاد يؤديان إلى اليأس والى ردود فعل متطرفة، وأحيانا إلى درجة محاولات انتحار.
يحاول المراهق فهم العالم الذي يحيط به، وملاءمة نفسه للأوضاع الجديدة، لكنه يجد صعوبة في القيام بذلك، وذلك لأن دماغه لم يكمل تطوره بعد، وشخصيته لم تتبلور بعد، وكذلك بسبب التأثيرات البيئية التي ينجر وراءها. لا عجب، إذن، أن الآباء والمعلمين يجدون صعوبة في بعض الأحيان في فهمه، وبذلك يتصدع الحد الرفيع بين الطبيعي والباثولوجيا.
الشعور
الفطام العاطفي من التعلق بالأهل هو عملية فك ارتباط نفسي يمر به كل مراهق، وهو ضروري للتطور الذاتي والنفسي السليم. لكي يخلق لنفسه هوية داخلية ناضجة ومستقلة، يجب على المراهق أن يمر بمرحلة الانفصال عن الوالدين. هما من جانبهما يشعران أحيانا بالبلبلة والمفاجأة، يتألمان ويشعران بالعجز حيال السلوك المتطرف لابنهما. والمراهق يغضب منهم، ويتعامل بوقاحة، ينزوي في غرفته ويعاملهم بقطيعة وكغرباء. أنه يفحص الحدود وربما يخاطر، يتورط مع القانون أو يرد بسلوك متطرف. ورسالته هي “اتركوني في حالي”، “حلّوا عني” و “لا تقولوا لي شو أعمل.”
العلاقة مع المراهق قد تكون صعبة وعاصفة ومصحوبة بصراعات ومواجهات. ومكان الوالدين، يحتله الآن الأصدقاء، فيما يكون الوالدان الآن بالنسبة للمراهق بمثابة كيس ملاكمة، يفرغ به إحباطاته.
إذًا ما العمل؟
من المهم إعطاء المراهقين مساحة واستقلالا، ولكن في نفس الوقت يجب أن يطلب منهم أن يتحلوا بالمسؤولية والتأكيد لهم أن مراقبتهم من قبلكم هي واجبهم الأخلاقي والقانوني كوالدين.
ضعوا حدودا واضحة، مع الأخذ بعين الاعتبار المعايير المقبولة المتعلقة بالعمر والفترة. من غير المفضل التصادم مع المراهق في مواضيع لا قيمة لها مثل لون الشعر، ملابس معينة، أو الموسيقى التي يستمع لها، ولكن مرّروا الرسالة بأنه يوجد هنا من يضع الحدود.
أكدوا أمام المراهق دائما الإيجابيات، القدرات والجوانب الإيجابية لديه، عبروا عن تقديركم وفخركم به.
تحدثوا معه حول المخاطر مثل المخدرات، الكحول، العنف والجنس غير الآمن، الأمراض الجنسية والسلوك بطريقة غير مشروعة. أشرحوا له كيفية التصرف عندما يواجه ورطة، كيف يتصرف وبمن يستعين.
اتفقوا معا على إجراءات معينة، من خلال القرار المشترك والاحترام المتبادل. اتفقوا، مثلا، أنه يستطيع أن ينام عند صديق ولكن يجب أن يبلغكم، يستطيع الذهاب إلى ناد معين ولكن ليس إلى أماكن خطرة.
كونوا قدوة له، لكي يتبنى لنفسه معايير لسلوك مقبول لديكم.
أوضحوا له أنه مدعوّ للمجيء والتحدث معكم متى شاء. ومقابل ذلك، إذا كان اليوم ليس يومه ولا رغبة لديه في الكلام، يفضل التنازل وعدم الدخول معه في مواجهات لا لزوم لها.
اقضوا معه وقتا. تحدثوا معه. أشركوه، بمقدار ما، حتى بما مرّ عليكم خلال النهار أو الأسبوع، دون أن تثقلوا عليه بأمور مقلقة، صراعات غير محلولة، والمخاوف الخاصة بكم.
تحدثوا معه بمستوى متساو، وليس من موقع التحكم أو الاستعلاء.
لا تتخوفوا أن تقولوا له إنكم على اطلاع على كل شيء، وتعرفون الصعوبات التي يواجهها، وتولون الاهتمام المطلوب، تحبونه وتعيرونه الاهتمام. قولوا له إنه مهم بالنسبة لكم، ولذلك لا تسمحوا لها أن يخرب حياته ومستقبله.
لا تنجروا لصراعات القوة، توجيه التهم، التهديدات أو الضرب. لا تشعروا بالإهانة ولا تفقدوا السيطرة، وذلك من أجل منع التصعيد وصراعات قوة متطرفة. الرد بهدوء أو تأجيل الرد المطلوب إلى موعد لاحق.
إذا كان، رغم كل شيء، من الصعب عليكم مواجهة الأمور، يفضل التوجه لتلقي استشارة مهنيه مثل عيادة المراهقين، أخصائي نفسي للمراهقين، طبيب نفسي أطفال. أحيانا تكون محادثات المراهق مع شخص مهني وإرشاده من قبل الوالدين كافية لتحسين الوضع. في الحالات المتطرفة، يمكن الدمج بين ذلك وبين العلاج بالأدوية بشكل مؤقت.
والأهم من كل شيء، عبروا عن حبكم له. فهو ما زال ابنكم هناك، داخل عاصفة الهورمونات الصاخبة هذه. وبعد فترة ما سيعود إليكم، رجل كبير، مبلور وواثق، وكل شيء سيبدو مختلفا. نعدكم.