ماذا يمكن أن يكون أكثر طبيعية من هذا: الأم التي ترضع طفلها، وخلافا للرأي الذي ساد في العالم (أي في الجزء الغربي منه) في سنوات الـ 70، والذي تطرق لتربية الأطفال بشكل فكري ومحسوب ومجّد فوائد الرضاعة من القنينة- وجبات ثابتة على فترات منتظمة- اليوم من المقبول اعتبار الرضاعة كشكل من التغذية الأمثل للرضيع. وفيما يلي كل المعلومات التي تحتاجينها لكي تكون البداية سلسة قدر الإمكان: الحقائق، الفوائد، الصعوبات المحتملة والحلول.
حليب الأم: الحقائق
- تبدأ عملية إنتاج الحليب عند الأم أثناء فترة الحمل، وذلك نتيجة لإفراز هرمون البرولاكتين. ولدى العديد من النساء تلاحظ نقاط الحليب التي تسيل من الحلمة خلال أشهر الحمل الأخيرة: فالجسم يستعد لمهمته الجديدة.
- يحدث إنتاج الحليب بغض النظر عن نوع الولادة، عادية أم قيصرية، ذلك لأن الهرمونات المسؤولة عن إنتاج الحليب تنطلق مع انفكاك المشيمة.
- في الأيام الأولى بعد الولادة يكون حليب الأم مختلفا عن ذلك الذي سيأتي في الأيام التالية: هذا هو أول حليب ويدعى اللبأ (كولوستروم)، وهو سائل مركز ودهني جدًا يميل لونه الى الصفار. وكمية اللبأ قليلة نسبيا للحليب وهي مناسبة للمعدة الصغيرة للمولود. ولذلك في عمليات الرضاعة الأولى، حتى لو كانت تستغرق وقتا طويلا، فإن الطفل ينجح في رضاعة بضع قطرات من هذا السائل فقط. إن أهمية اللبأ كبيرة جدًا لكونه يحتوي على كمية كبيرة من المضادات والمواد البيولوجية التي تساعد في إعداد الجهاز الهضمي لدى الطفل للرضاعة والأكل.
- يستمر إنتاج حليب الأم طالما أن الرضيع أو الطفل يستمر في الرضاعة، وذلك من خلال جهاز رد الفعل الإيجابي المسؤول عن الإنتاج. عمليا، فإن كمية الحليب المنتجة تتعلق بكمية الحليب التي يستهلكها الطفل. شيء ما يشبه الدائرة: عندما يقل عدد الرضعات، فإن إنتاج وإفراز هرمون البرولاكتين يقل، وبالتالي فإن إنتاج الحليب لدى الأم يخف وفقا لذلك. وما دامت الأم المرضع تواصل الإرضاع وفق متطلبات الطفل، فإن جسمها سوف يستمر في إنتاج كمية الحليب المطلوبة له بالضبط.
حليب الأم: الفوائد
يزوّد الطفل بالجهاز المناعي
- متوفر دائما، نظيف، طازج وبدرجة الحرارة الصحيحة بالضبط.
- هو مجانا.
- إنه يبني الجهاز المناعي للطفل، ويمكّنه من مواجهة الأمراض المختلفة. إن الدراسات التي أجريت في العقدين الماضيين (من بينها Dewey & Heinig من سنة 1995، وBeaudry, Dufou & Marcoux في نفس السنة) توفر أدلة قوية مفادها أن حليب الأم يقلل من خطر الإسهال لدى الطفل، بالإضافة الى الالتهابات في جهاز التنفس السفلي، التهاب الأذن الوسطى، التهاب في المسالك البولية، الموت السريري، السكري الذي يعتمد على الانسولين، مرض كرون، التهاب القولون التقرحي، سرطان الغدد الليمفاوية، أمراض الحساسية وغيرها من أمراض الجهاز الهضمي المزمنة. كما تؤثر الرضاعة أيضا على التطور المعرفي السليم لدى الطفل.
- هو صحي للأم: تشير الأبحاث إلى أن الرضاعة تزيد من إنتاج هرمون الأوكسيتوسين، ونتيجة لذلك تخفف من نزيف ما بعد الولادة، وتساعد على تقليص أسرع للرحم وعودة الأم بشكل أسرع لوزنها قبل الولادة. والرضاعة تحمي من هشاشة العظام، وتقلل من شيوع الإصابة بسرطان المبيض وسرطان الثدي.
وهنا حقيقة أخرى: لا تسير الأمور دائما بشكل سلس
من المهم أيضا معرفة ذلك مسبقا. إن الرضاعة، رغم وجود مجموعة كبيرة من الفوائد المثبتة، يمكن أن تشكل تحدّيا في البداية. فهي تبدو طبيعية تماما، ولكنها أيضا مهارة ينبغي اكتسابها: أنت وكذلك الطفل. في بعض الأحيان يكون الأمر مؤلمًا، وأحيانا يبدو أنه لا يسير كما يجب، وفي بعض الأحيان بحاجة الى مساعدة. وأحيانا تفزع الأم وتعتقد بأنه ليس لديها حليب: أصلا، خلافا للرضاعة من القنينة، فإنه لا يمكن قياس كمية الحليب ولا تستطيعين أن تري فيما إذا انخفض مستواه.
هذه هي بالضبط الأسباب التي من أجلها يجب أن تستذكري ما تعلمته حتى الآن. ما عدا حالات نادرة، لا توجد امرأة والدة ليس لديها حليب. إنتاج الحليب يعتمد على الحوافز التي توفرها الرضاعة. فمن هذه الناحية يمكنك الاطمئنان، والتركيز في تعلم الطريقة. يمكن وينصح بتعلم ذلك حتى قبل الولادة: فالدورات الجيدة للاستعداد للولادة دائما تكرس لقاء أو اثنين لهذه المسألة، يتم تقديم نماذج لوضعيات مقترحة ويتم الشرح عبر شفتي ولسان الطفل على الحلمة. في أقسام الولادة في المستشفيات هنالك مستشارات رضاعة وممرضات لديهن الخبرة والمهارة، وهناك أيضا مستشارات رضاعة خصوصيات يمكن دعوتهن الى المنزل بعد الخروج من المستشفى. فالمساعدة والدعم الأولي قد تمنع العديد من المشكلات الشائعة.
ربما يكون هذا ما سيشغلك وطفلك في الأيام الأولى من الولادة بعد عودتك من المستشفى الى البيت، ولذلك فنحن ننصحك بأن تحيطي نفسك بجوّ من التشجيع والقبول والتفهم: الزوج أو الأهل الذين يشجعون ويدعمون ويمنحونك الهدوء والدفء اللذين تحتاجينهما أنت وطفلك من أجل هذا التعلم المشترك.