يشكل الطلاق هزة كبيرة. حتى لو كان يبدو لنا (وربما هذا صحيح، في بعض الأماكن) بأن الكل يتطلق، يمر أطفالنا تجربة ليست سهلة. إنهم يمرون بتجربة تنطوي على مشاعر صعبة وقد يردون بأشكال وطرق متنوعة، وفقا لعمرهم، طبيعتهم واستقرار البيئية المحيطة بهم والدعم الذي يتلقونه. من المهم أن يكونوا واعين لمختلف الردود القائمة ومعرفة كيفية التعامل معها.
فيما يلي بعض من مجموعة العواطف التي قد تنشأ:
الإنكار والارتباك: في البداية يدور الحديث عن صدمة يمكن أن يعبر عنها بإنكار الانفصال. يتصرف الطفل وكأن الطلاق لم يحدث، أو يهرب الى الأوهام بأن والديه لا يزالا معا. ونتيجة لذلك، يعيش الطفل حالة من الارتباك، الذي يمكن أن ينعكس في الحياة اليومية أيضا، مثلا في التعليم.
المخاوف: يمكن أن تكون هذه المخاوف واقعية جدا، في أعقاب التغيير في الحياة (كيف أتدبر أموري في البيئة الجديدة التي يسكن فيها الأب؟ هل ستكون لدينا أموال أقل؟ ماذا سيقول أصدقائي؟). والى جانبها قد تكون هناك مخاوف واقعية أقل، مثل الخوف من أن الوالدين سيتوقفان عن محبته أيضا ويقومان بالطلاق منه أيضا، أو أن شيئا سيئا سيحدث لهم. يمكن للطفل أن يعبر عن مخاوفه بالكلمات، ولكن من المرجح أن تنعكس في السلوك أيضا. على سبيل المثال، بواسطة الالتصاق الكبير بالوالدين، أو الانشغال الزائد بالأكل.
الشعور بالذنب والغضب: هذه هي ردود فعل شائعة، نابعة من حقيقة أن الأطفال يميلون إلى لوم أنفسهم عن الأشياء التي تحدث في الأسرة. الأطفال، وخاصة الشباب منهم، لديهم ميل إلى الخلط بين الواقع والخيال، بل ويعتبرون أنفسهم كذوي قوى وتأثير غير واقعيين. قد يظن الطفل بأن والديه تطلقا لأنه لم يتصرف بشكل لائق، أو أن والده ترك البيت لأنه كان يشعر بخيبة أمل تجاهه.
قد يشعر الطفل أيضا بأنه تم الغدر به، يغضب يعارض، يلقي اللوم على والديه لأنهم “دمروا له حياته”. والأطفال الكبار يمكن أن يظهروا العدوانية تجاه الوالدين أو الأشقاء والأصدقاء. الطفل الأكبر سنا قد يشعر بالحرج من انفصال والديه ويشعر بأنه مختلف، من خلال المس بصورته الذاتية والثقة بالنفس، وبالتالي بعلاقاته الاجتماعية. ويمكن للطفل أيضا أن يعيش الشعور بأن “هذا يحدث لي فقط”، حتى وإن كان يعرف أطفالا آخرين لوالدين مطلقين.
البكاء أو الانطواء: يمكن أن ينعكس إحساس الحزن لدى الطفل بالبكاء أو الانطواء، وفقا لمزاجه. وبعض الأطفال قد تتطور لديهم أعراض الاكتئاب، مثل الصعوبة في النوم أو الأكل، أو فقدان الاهتمام باللعب وبالنشاطات مع الأصدقاء.
الحاجة إلى التوسط بين الوالدين: الكثير من الأطفال يستمرون في عدم قطع الأمل وفي الإيمان بأنه في نهاية المطاف بأن والديهم سيعودان للعيش معا. وأحيانا يدعو الأطفال الله بأن يعود والداهم إلى بعضهما البعض، بل ويقطعون وعودًا على أنفسهم مثل: “إذا عاد الوالدان ليكونا معا سوف أكون ولدا / طالبا جيدا.
وهناك أطفال يحاولون أيضا إعادة الرابطة بين الوالدين من خلال الاقتراحات المباشرة كالخروج للتنزه معا، وبعض منهم قد يتطور لديه مرض أو حالة ضيق تتطلب أن يتعاون الوالدان معا. عندما ينفصل الوالدان بغضب ويبقيان على خلاف حتى بعد الانفصال، يتكوّن صراع ولاء: يشعر الطفل بأنه يجب أن يقف إلى جانب أحد الوالدين، ولكنه يأخذ على نفسه دور الوسيط أو الرسول بينهما. ونتيجة لذلك، فإنه يجد صعوبة في الاستمرار بعلاقة إيجابية مع كلا الوالدين.
مسؤولية زائدة: عندما يكون أحد الوالدين أو كلاهما في حالة ضيق شديد حول الانفصال، قد يأخذ الولد أو البنت على نفسيهما مسؤولية زائدة، أكبر من عمرهما، ويصبحان بمثابة زوج/ زوجة للأب/ للأم أو شخصية أبوية للإخوة الصغار.
التسليم: في معظم الأسر، تحدث الصعوبة الرئيسية في الفترة التي تسبق الانفصال والفترة التي بعدها. ولكن على الأغلب، مع مرور الوقت تعود الحياة الى طبيعتها في البيتين الجديدين اللذين تم إنشاؤهما، ويشعر الأطفال مرة أخرى بالاستقرار والأمن. في هذه المرحلة، معظم الأطفال يتقبلون الوضع، بل ويكبرون ويتطورون من خلال الأزمة التي مروا بها. كما أنه، في الحالات التي سبقت فيها الانفصال فترة صعبة وفيها توتر، عندما تستقر الحياة سيحصل تحسن ملحوظ في المزاجية وجودة الحياة لدى الطفل بالنسبة للحياة الأسرية التي عرفها من قبل.
متى يفضل التوجه لمساعدة مهنية؟
الكثير من الأسر قد تتعامل بشكل جيد مع التغييرات المرتبطة بالطلاق دون الحاجة الى الاستشارة المهنية. ومع ذلك، محادثة واحدة مع أخصائي نفساني يمكن أن تساعد الوالدين في الاستعداد للانفصال واتخاذ القرار معا حول كيفية التحدث عن الموضوع مع الأولاد.
يفضل أن يتم التفكير في استشارة أخصائي نفساني لاحقا أيضا، مثلا إذا ظهرت صعوبة كبيرة في التعامل مع علاقات عاطفية جديدة للوالدين أو في العلاقات مع أبناء شريك/شريكة أحد الوالدين.
فيما يلي بعض الحالات التي ينصح فيها بالتوجه الى الاستشارة:
صعوبة الوالد: عندما يجد الوالدان صعوبة في احتواء تعليقات أبنائهم للخروج من الأزمة التي هم أنفسهم موجودون فيها، أو إذا كانوا يتخبطون كثيرًا في كيفية التعامل مع ردود الطفل، فينصح بأن يتوجها لأخصائي نفسي لإرشاد الوالدين (معا أو على حدة، وفقا لطبيعة العلاقة بينهما).
الرد المفرط / المستمر من قبل الطفل: إذا كان الوالدان يشعران بأن ردة فعل الطفل مفرطة ومبالغ فيها أو مستمرة أكثر من اللازم، يفضل استشارة أخصائي نفساني. بعد الانفصال، يجب على الوالدين أن يصغيا لردود فعل أبنائهم (الذين ذكروا في بداية المقالة)، والأخذ بالحسبان بأنها قد تتطلب منهم الكثير من الصبر والحساسية لفترة طويلة.
المس بالأداء اليومي أو العاطفي للطفل: إذا شك أحد الوالدين بأن الطفل يعاني من الاكتئاب، ومشاكل القلق، أو اضطراب متواصل في الأكل، في النوم أو الدراسة، يفضل التوجه لاستشارة طبيب نفسي أو أخصائي نفسي.
الصعوبات الاجتماعية للطفل: عندما تكون ردة فعل الطفل تجاه محيطه بالانطواء والعدوانية، التي يؤدي إلى المس بشبكة علاقاته خارج الأسرة، فإن التدخل المهني قد يمنع التدهور. من السهل منع الصعوبات الاجتماعية، أكثر من ترميم حالة الطفل بعد أن وقعت هذه الصعوبات وأصبحت ثابتة.
طفل أبوي: عندما يأخذ ولد (أو فتاة) على عاتقه الدور الأبوي تجاه الأشقاء الأصغر سنا أو دور الزوج/ الزوجة تجاه أحد الوالدين، لمدة طويلة، فإن العلاج النفسي الفردي أو العلاج الأسري قد يساعده ويساعد الوالدين في تأسيس علاقات تعود فيها المسؤولية الأبوية للوالدين. علاج كهذا يساعد الطفل/ ة في أن يعيش تجربة الطفولة مرة أخرى، ويتفرغ للنمو، للتطور، للدراسة وللأصدقاء، ويزيل عنه العبء الذي لا يناسب جيله.