في الإصدار الأخير لـ iOS أدخلت أبل ميزة تسمى “الوضع الليلي”، حيث من المفروض أن يتيح لنا الاستمرار في استخدام الهاتف الخليوي دون أن يتشوش نومنا؛ دليل آخر على أن العلاقة بين النظر المتواصل الى الشاشات وبين اضطرابات النوم واضحة ومثبتة. وسبب ذلك هو الطول الموجي للضوء الأزرق- الضوء المنبعث من شاشات الكمبيوتر والسمارتفون ويعطل في الجسم إنتاج الميلاتونين، الهرمون الذي “يطفئ” الجسم ويرسلنا الى النوم. هيّا بنا لشرح مفصل.
الضوء الأزرق ونومنا
لكي نشرح ما هو الضوء الأزرق، دعونا نبدأ من البداية: من الفترة التي غرست فيها أقدم أجهزة في جسم الإنسان. في الفترة التي كنّا نقضي فيها معظم اليوم في الحقل وتحت قبة السماء. حينها كل شيء كان واضحًا: في ضوء النهار كنّا ننشط، وعند العتمة كنا نخلد للنوم. الضوء الأزرق المنبعث من شاشات الحواسيب، والهواتف الذكية، والتابلت، هو بالأطوال الموجية القصيرة (460-480 نانومتر) وهو مماثل في طبيعته لضوء النهار الطبيعي: التعرض له يشحن الجسم باليقظة والنشاط الضروري لنا طوال اليوم. والمشكلة هي أن شاشاتنا هذه لا تنطفئ في المساء. وأحيانا لا تنطفئ حتى ساعات الفجر. والجسم؟- يلتقط الضوء الأزرق، و”يظن” أننا الآن في ساعات الظهر، إذن لماذا الذهاب إلى النوم؟
الضوء الأزرق يتم التقاطه بالمستقبِلات العصبية في العين، وهذه تقمع إنتاج الميلاتونين. والميلاتونين هو الهرمون المسؤول لدينا عن تنظيم النوم. مع حلول الظلام، عندما يختفي ضوء النهار فإنه من المفروض أن تتوقف المستقبلات عن قمع إنتاجه، ومن المفترض أن يقوم المخ بإفرازه، وهكذا يحدث لدينا الشعور بالنعاس و”الجفون الثقيلة” المطلوب للنوم الجيد والعميق. ولكن الإضاءة الاصطناعية في العصر الحديث، وخاصة الإضاءة المنبعثة من شاشات الكمبيوتر، والتابلت والسمارتفون، تلعب بجسمنا. والضوء الأزرق يشع منها في ساعات المساء والليل أيضا، بحيث أن الميلاتونين يتم قمعه أيضا في ساعات الظلام، الأمر الذي يبقينا في حالة يقظة ويشوش بشكل تام دورة النوم لدينا. وهذا هو السبب في أن الأشخاص الذين يعملون أمام جهاز الكمبيوتر في ساعات المساء، يفحصون رسائل البريد الإلكتروني في السرير أو يتصفحون الفيس بوك قبل النوم، يطوّرون فجأة مشاكل نوم.
ولماذا هذا سيء؟- لأن الأشخاص الذين لديهم أجهزة اليقظة والنوم الطبيعية مشوشة يتعرضون لخطر أعلى للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، والسكري والسمنة، وأكثر عرضة للاكتئاب، ولحوادث الطرق أو حوادث العمل، والمعاناة من مشاكل الذاكرة والدراسة، وبشكل عام، يسبّبون ضررًا قاتلا لجودة حياتهم. الاستنتاج: النوم أمر هام.
إذاً ماذا يمكن أن نفعل؟
لكي ننام (لأن ذلك مهم، كما ذكرنا)، يجب منع تعرض المستقبلات في العين للضوء الأزرق الذي يوقظ ويشوش دورة النوم لدينا. الحل البسيط هو إطفاء الضوء، الكمبيوتر والتلفزيون، السمارتفون والتابلت، والانشغال بنشاط لا يتضمن شاشات ينبعث منها ضوء. ولكن ما دام الحديث في هذا العصر يدور عن أمر فرض علينا، فلا بدّ من التفكير في حلول أخرى.
اليوم، هنالك شاشات كمبيوتر مجهّزة بإضاءة خلفية أو بمصفاة أمامية تمنع الانبعاث العالي للضوء الأزرق، وإذا كنتم ستقومون بشراء شاشة، فمن المفضل البحث عن شاشة مزوّدة بـ Blue Light Shield “واقي الضوء الأزرق”. ولكن ماذا نفعل بالشاشة القديمة غير المزوّدة بهذه التقنية؟ الحل هو تحويل درجة حرارة لون الشاشة الى قيم سطوع منخفضة، في مجال الألوان “الدافئة” أكثر الأصفر- الأحمر التي ينبعث منها ضوء أقل في الأطوال الموجية الزرقاء الضارة.
برنامج الكمبيوتر القديم الذي يقوم بهذه العملية بالضبط في الكمبيوتر يسمى flux. وبواسطته، يمكن ضبط الشاشة بدقة إلى اللون المطلوب، وهو يعمل تلقائيًا حسب موقعنا ويغير تدريجيًا طوال اليوم (أو مرة واحدة، حسب الاختيار)، لون الشاشة الى ألوان لا تعيق إنتاج الميلاتونين. كما أنه يتيح لنا إطفاءه لمدّة محدودة (إذا كنتم تعملون في مهنة تحتاجون فيها الى مشاهدة مختلف الألوان بدقة). وبالإضافة إلى ذلك، “الوضع الليلي” موجود ومبني في بعض الهواتف المحمولة ويوجد أيضا تطبيق مفيد يدعى Twilight.
ويبدو أنه ما زال الحل الأفضل هو، وضع السمارتفون جانبًا قبل النوم والذهاب إلى النوم. تصبحون على خير.