“إذا لم يذهب المرضى الى السيرك– فإن السيرك سيأتي لهم”، هذا ما قاله في الثمانينيات مايكل كريستنسن، المهرج الطبي المهني الأول الذي عمل في نيو يورك. وقد تمأسس هذا المجال الفريد من نوعه منذ ذلك الحين، واليوم يتم تشغيل مهرّجين طبيين في المستشفيات في أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، كندا، أستراليا وإسرائيل. يهتم المهرجون الطبيون بالرفاهية النفسية للمرضى الذين يتلقون العلاج في المستشفيات؛ يقومون بإضحاكهم، بإلهائهم، ينسونهم– ولو لوقت محدّد– القلق، الحزن والألم بواسطة الخدع، الأعمال السحرية، القصص والألعاب. لقد ثبت أن القوة العلاجية للفكاهة والضحك تساعد في تخفيف الألم والتوتر: تزيد من إنتاج الاندورفين، وتزيد من عدد الخلايا الليمفاوية، وتخفض مستوى الكورتيزول في الدم. وعلاوة على ذلك: ثبت أن الفكاهة تزيد من احتمالات الشفاء وتسرّع وتيرته.
الجسد، الروح وما بينهما
العلاقة بين الجسد والروح معروفة للطب منذ سنوات عديدة. ففي الماضي، كان الأطباء ينصحون مرضاهم بقضاء بضعة أيام في المنتجعات على شاطئ البحر لتشجيع الشفاء. ومع مرور السنين وتقدم طرق التشخيص المبنية على فحوصات المختبر والتصوير، تم تشخيص المرض كناتج عن بكتيريا، فيروس، ورم سرطاني أو خلل في جهاز المناعة– وتداخل الروح في المرض الجسدي الذي لا يمكن حصره وقياسه، أصبح موضوع اهتمام المدارس الطبية البديلة. في العقود الأخيرة، وجدت الروح طريقها مرة أخرى إلى الابحاث التي تشير إلى أن مشاعرنا وأفكارنا تؤثر في الواقع على الطريقة التي يعمل ويتجاوب بها جسمنا.
التحالف القوى القائم بين الجسد والروح متأصل عمليا في ضرورة البقاء على قيد الحياة لردة الفعل تجاه البيئة التي قد تكون خطرة علينا. قدرة الجسم على ردة الفعل بسرعة البرق على المخاطر (على سبيل المثال حادث طرق تقريبا)، تنطوي على جهاز تختزل نتائجه في ثلاثة ردود فعل: “أهرب”، “قاوم” أو “اجمد في مكانك”. ونجاعة هذا الجهاز تكمن في بساطته، هذا من ناحية، كونه لا يعتمد على التفكير العقلاني (الذي يستغرق وقتًا..) ومن الناحية الأخرى، بمقدوره أن يتسبب في ردة فعل حادة عامة وشاملة جدًا.
ولكن ماذا يحدث عندما يستمر هذا الجهاز في العمل في حالات الإجهاد المستمرة مثل الضغط في العمل، الفصل من العمل، الطلاق، فقدان جدي أو حتى عرس، ولادة أو الانتقال الى شقة جديدة؟ ردة فعل الجسم التي تشمل زيادة في التوتر العضلي، ارتفاع ضغط الدم والنبض، التنفس السريع، انخفاض تدفق الدم إلى الجهاز الهضمي وغيرها، تبدأ بترك بصماتها على جسدنا. وبالإضافة إلى ذلك، فإن حالات التوتر يمكن أن تمسّ بنجاعة ونظام الجهاز المناعي. وعليه، عندما نشعر بالحزن، القلق والتوتر، خاصة لفترة طويلة، فقد نتعرض للتعب والضعف، الصداع، ألم في العضلات، ضغط في الصدر، قرحة في المعدة (أولكوس) وغيرها.
لا يعني الأمر أنه يجب حل مشكلة هذه المشاعر دون أي شيء. يدور الحديث عن ظواهر جسمانية بكل ما تعنيه الكلمة، وهي تزيد من خطر الإصابة بأمراض جسدية جدية. ويجب أن نتذكر أنه في المقابل، فإن الأمراض الجسمانية تشكل أزمة بحد نفسها، ويمكن أن تسبب الشعور بالحزن والقلق والإجهاد. وبناء عليه، يدور الحديث عن دائرة متكررة، قد تؤدي في غياب العلاج إلى تفاقم الحالة النفسية والجسمانية. وبالإضافة إلى ذلك، عندما نشعر بسوء الحالة النفسية والجسمانية، ففي الكثير من الأحيان نميل إلى التنازل لأنفسنا بكل ما يتعلق بعادات الحياة الصحية مثل التغذية السليمة، أوقات الراحة الصحيحة والنشاط الجسماني. في بعض الأحيان نبقى مستيقظين في الليالي، قلقين من الأفكار، نتناول الوجبات السريعة (لأنه لا توجد رغبة في الذهاب للمشتريات والقيام بالطبخ) ونتنازل عن المشي “لأنه لا توجد قوة”. والبعض قد يلجأ الى التدخين أو تناول المشروبات الكحولية ليواجه الأحاسيس السيئة. وعلى الرغم من الشعور الآني بالارتياح، إلا أنه على المدى البعيد فهذه ليست أنماط مواجهة مريحة ومفيدة لنا نفسيًا وجسديًا.
تسخير الروح لمصلحة الجسم
كيف نقوم بذلك؟
- حاولوا الإصغاء للأحاسيس النفسية والجسمانية، حيث إنها ترسل إشارات في بعض الأحيان لضرورة التغيير أو إبطاء الوتيرة.
- التحدث عن ذلك- شاركوا في أحاسيسكم وأفكاركم بعض الأشخاص المقربين. مع كل الحب، في بعض الأحيان تكون الأحاسيس صعبة التحمل ومن المستحسن الاستعانة بشخص معالج من الصحة النفسية أو بطبيب العائلة.
- حافظوا على روتين يومي صحي يشمل: التغذية الصحيحة، أوقات الراحة والنوم والنشاط البدني: حتى المشي لمدة 10 دقائق يوميا تفيد الجسم والروح. يمكن استشارة طبيب العائلة وأخصائية التغذية حول كيفية البدء.
- تجنبوا استعمال مواد مخدرة: السجائر، الكحول والمخدرات.
- ادمجوا في الروتين اليومي عملا ممتعًا- عندما تكون الأمور صعبة وضاغطة نحن نتنازل عن العمل الذي يعتبر “كماليات”. لا تتنازلوا عن الخروج مع الزوج/ة أو الأصدقاء، قراءة كتاب جيد، مشاهدة فيلم وما الى ذلك.
- أساليب الاسترخاء- يمكن تعلم أساليب مختلفة لتهدئة الجسم والروح يمكن تطبيقها في المنزل، مثل التنفس العميق، إرخاء وشدّ العضلات، وعي تام (mindfulness) وغيرها. كما يمكن الاستعانة بدورات في مجالات: اليوغا، التأمل، تاي تشي.
- التفاؤل والأمل– ليس من السهل أن تكون متفائلا في الحالات الصعبة. الأمر الذي يساعد هو توسيع النظرة الى ما هو أبعد من الصعوبات الحالية إلى قنوات أخرى أكثر إيجابية.
* هذه النصائح ليست بديلا للعلاج الطبي الجسماني الموصى به، بل بالإضافة له.
وكما ذكر أعلاه، كونوا متيقظين الى أنه في وقت الأزمة النفسية أو الجسدية، يصعب علينا اتخاذ القرارات التي تتطلب التغيير ومن الجهة الثانية هو الوقت الذي يطلبها. حاولوا البدء بالتنفس العميق وخطوتين صغيرتين وتقدموا تدريجيا، شاركوا شخصا مقربًا واجعلوه يقوم بالمساعدة في هذه العملية واستعينوا بطبيب العائلة أو خدمات الصحة النفسية في صندوق المرضى، نحو حياة صحية، هادئة ومبتسمة أكثر.