من الصعب تفسير الانجذاب الفوري لدى الأطفال للألوان، للأوراق، ولأعمال الطلاء والخربشة. ولكن يوجد هذا الانجذاب. وهو مهم كما هو ساحر. إذًا ماذا يحدث هناك بالضبط، ولماذا هو مهم جدا؟
الخطوة الأولى في مرحلة تطور الرسم هي مرحلة الخربشة: الشكل غير محدد. في الواقع، الطفل ينشغل بالأساس باكتشاف الناتج لحركة التي تمسك بأداة وبالمتعة التي يسببها هذا الاكتشاف. عادة ما تستمر هذه المرحلة حتى جيل ثلاث – أربع سنوات، ولكن العديد من الأطفال، وخاصة أولئك الذين لا ينجذبون إلى الرسم في سن مبكرة، يقومون بالخربشة في جيل متأخر أيضا.
في جيل الرابعة تقريبا يكتسب الطفل القدرة على رسم دائرة بشكل موجه، ورسم خطوط تبدأ من نقطة معينة، ولكن ليس لها نقطة نهاية محددة. الدائرة والخطوط تساعد الطفل في رسم صورة شخص أولية تشمل الرأس، أعضاء الوجه، اليدين والرجلين.
في سن أربع سنوات ونصف يكتسب الطفل القدرة على رسم الخطوط التي لها بداية ونقطة نهاية محددة. وستساعده هذه الخطوط في رسم المربعات.
وفي سن الخامسة تقريبا يرسم الخط المائل. في البداية شكل الإكس، وبعد ذلك مثلثات. عندما يكون الطفل قد اكتسب القدرة على رسم هذه الأشكال الأساسية، فإنه يكتسب المكونات المطلوبة لرسم معقد وله معنى. وفي سن خمس سنوات ونصف تقريبا تظهر رسومات تتضمن عددا من الأشياء المرتبطة ببعضها البعض وتشكل معا رسمة ذات مضمون. وتشكل الأشكال الأساسية أيضا قاعدة حروف الطباعة المكونة من أشكال مربعة ومثلثة.
عندما أسأل أحد الوالدين إذا كان ابنه يحب الرسم، في مرات عديدة أحصل على إجابة: “لا، إنه ما يقوم به هو مجرد خربشة…”مرحلة الخربشة، المهمة جدا لتطوير قدرة الرسم لدى الطفل، تبدو للأم غير مهمة، بل محرجة …
وعليه، لا يولد الطفل مع القدرة على رسم رسومات ذات معنى. انه يحتاج الى الخبرة الحرة والإبداعية من أجل تطوير السيطرة على أدوات الرسم، والقدرة على التحكم في اليد بحيث تنتج مجموعة متنوعة من النماذج اللازمة لرسم له مضمون.
من المهم إعطاء الطفل حرية الرسم، الخربشة وتجربة الألوان والأشكال المتنوعة. وأكثر من ذلك: من المهم للطفل أن يشعر بأننا نرى عمله، نلمس رسوماته ونتطرق إليها. لا حاجة للقول، “حلو”. هذه الكلمة في بعض الأحيان فارغة من المضمون، عندما لا نشعر بأن الرسم في الواقع جميل، ويشعر الطفل بأننا غير صريحين معه. حاولوا التمعن في الرسم واشرحوا له بالكلمات ما تروه: “ها هنا رسمت بالأسود، وهنا رسمت بالأحمر وهنا أرى خطا، وهنا أرى نقطة …” فقط التمعن، فقط وصف الرسم، دون أن تحكموا، ودون إعطاء علامة. بسيط جدا، ومهم جدًا.
مؤخرا كان لدي للتشخيص بالعلاج الوظيفي طفل رائع عمره أربع سنوات جاء لأنه “لا يرسم”. عندما سألته إذا كان يعرف أن يرسم ولدا، أجاب بالإيجاب: رسم دائرة ضخمة على الورقة، ووضع داخل الدائرة كل ما يعرف أنه ينبغي أن يكون في رسم طفل، العينين، الفم، اليدين، القدمين. رأيت أنه كان يحاول استرجاع ما تعلمه عندما شرحوا له كيفية رسم ولد. وكانت النتيجة ضعيفة وغير منظمة. ثم قال لي الطفل إنه يعرف كيف يكتب اسمه، و”كتب”. كما يكتب الأطفال أحيانا: قام بخربشة أشكال صغيرة على الورقة وأراني باعتزاز. فقلت له: “واو، كتبت اسمك”. فقال: “الآن أكتب أم”، ومرة أخرى قام بخربشة أشكال صغيرة على الورقة. فقلت: “واو، كتبت أم”، ثم قال: “الآن أرسم الأم”. ورسم. رسم مفصل، منظم، يحوي الرأس على تفاصيله، الجسم، اليدين والرجلين. رسم يلائم سن الخامسة – أكثر من عمره.
ذلك أن التعليم الموجه الذي حصل عليه ولّد لديه رسما ضعيفا وغير منظم. ولكن ردة الفعل البسيطة، وعدم إصدار الأحكام وليست تعليمية، أعطت التشجيع الضروري لظهور رسم عفوي منظم متقدم بالنسبة لعمره. وتوضح هذه الحالة القاعدة: لا حاجة لتعليم طفل الرسم. ولكن الطفل يحتاج إلى ردة فعل على أفعاله. وبمجرد أن أعطيت ردود الفعل، يمكن للطفل استكمال المرحلة الموجود هو فيها، وعند اكتمال هذه المرحلة، ستظهر المرحلة التالية من تلقاء نفسها.
إذًا، متى مع ذلك يجب التوجه للتشخيص بالعلاج الوظيفي؟ العديد من الأطفال، ولا سيما الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين أربع سنوات وأربع سنوات ونصف يظهرون أفضلية للنشاط الحركي في الحيز، ولا يميلون للانشغال فترة طويلة بفعالية رسم. إذا استمرت هذه الظاهرة في سن الخامسة أيضا، ينصح بالتحقق من أن البيئة غير انتقادية أكثر من اللازم تجاه المنتج الذي ينتجه الطفل. في حالة استمرار الامتناع ينصح بالتوجه للتشخيص. حتى ذلك الحين، دعوه يخربش.